يجمع الخبراء على أن ألمانيا تأخرت في وضع قوانين تحل مشكلة نقص العمالة الماهرة التي تعد أبرز عقبة في طريق النمو الاقتصادي. هذا القانون الجديد الذي أقرته الحكومة الألمانية، والذي وُصف بأنه "الأفضل في العالم" من قبل المستشار أولاف شولتز و"تاريخي" من قبل وزيرة الداخلية نانسي فيزر، يستلهم نجاحات قوانين مماثلة في دول أخرى، أبرزها كندا.
عند تقديم مشروع القانون من قبل أحزاب الائتلاف الحكومي (الاشتراكيون الديمقراطيون والخضر والليبراليون) أمام البرلمان (بوندستاغ)، لم تعارضه أحزاب المعارضة المحافظة بشكل كبير، رغم انتقادها لبعض تفاصيله بدافع الشعبوية، مثل القول إنه سيشجع "هجرة الفقراء".
الحاجة الملحة للعمالة الماهرة
تشير الدراسات إلى أن نقص العمالة الماهرة يعد أبرز عقبة أمام النمو الاقتصادي في ألمانيا، حيث تؤكد غرفة التجارة والصناعة الوطنية أن القطاعات الاقتصادية المختلفة ستحتاج حتى عام 2035 إلى 7 ملايين موظف جديد. وقد ارتفع عدد المهن التي تعاني نقص العمالة الماهرة من 148 مهنة إلى 200 مهنة، حيث بلغت نسبة فرص العمل غير المشغولة 50%.
تشمل المهن التي تعاني من نقص العمالة مجالات الرعاية الصحية، الطب، البناء، الخدمات، الزراعة، الصيدلة، تجارة التجزئة، وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها من القطاعات التي تجد صعوبة في العثور على عمال مؤهلين.
التحسينات المتوقعة
ورغم جهود المستشارة السابقة أنجيلا ميركل لإقرار قانون يسهل عبور العمالة الأجنبية إلى أسواق العمل، إلا أن القانون لم يكن كافياً لسد النقص أو لجعل ألمانيا جذابة لمئات الآلاف من الموظفين المتخصصين. لكن الحكومة الحالية ترى أن التعديلات الجديدة ستفتح آفاقاً واسعة لحل المشكلة.
تصريحات مصباح خان
تشير مصباح خان، السياسية من حزب "الخضر" التي شاركت في إعداد القانون، إلى أن القانون الجديد يمثل "انفتاح ألمانيا على الآخر" وتوديع سياسة الهجرة المقيدة. وتوضح أن القدوم إلى ألمانيا، البقاء فيها، بحث الشركات عن الموظفين، والالتحاق بأسواق العمل، ورقمنة جميع الإجراءات اللازمة "سيكون أكثر سهولة بهذا القانون".
التحديات البيروقراطية والرقمية
تظل مشكلة الرقمنة والبيروقراطية من أكبر المشكلات التي تعترض الموظفين الجدد، حيث تختلف قوانين العمل والاعتراف بالشهادات والخبرات المهنية من ولاية إلى أخرى، كما أن صعوبة اللغة الألمانية تزيد من تعقيد الأمور.
تشير الطبيبة المغربية جهان السعيدي، التي تعمل في المستشفى الحكومي بمدينة يينا، إلى أنها تحتاج أحيانًا إلى عطلة نهاية أسبوع كاملة للإجابة على بضعة رسائل مكتوبة بلغة معقدة.
نظام نقاط وبطاقة فرص: قانون جديد لتسهيل الهجرة إلى ألمانيا
أصدرت الحكومة الألمانية قانوناً جديداً يهدف إلى تسهيل عبور العمالة الأجنبية الماهرة إلى أسواق العمل الألمانية، وجعل هذه الأسواق أكثر جذباً لمئات الآلاف من الموظفين والعمال المؤهلين الذين يحتاجهم الاقتصاد كل عام. يهدف القانون أيضاً إلى استنفاد جميع القدرات المهنية الموجودة داخل ألمانيا عبر تسهيل التحاق المهاجرين بالقطاعات الاقتصادية المختلفة.
نظام النقاط وبطاقة الفرص
سيعتمد القانون الجديد على "نظام النقاط غير البيروقراطي" الذي يقوم بتقييم أهلية المتقدمين بناءً على خمسة معايير: العمر، والتأهيل العلمي، وإتقان اللغة الألمانية، والخبرات المهنية، والعلاقة مع ألمانيا. تُمنح الأجانب الذين يستوفون المعايير الخمسة "بطاقة الفرص" التي تتيح لهم البحث عن عمل لمدة عام كامل.
توضح السياسية من حزب "الخضر" مصباح خان كيفية عمل نظام النقاط: "إذا كان طبيباً أو ممرضة أو مهندس كمبيوتر في المغرب أو مصر أو أي دولة عربية أخرى يريد الاستفادة من هذا القانون، فعليه أن يسأل نفسه: هل لدي شهادة؟ هل أتمكن من التواصل بالألمانية؟ وهل أستطيع جمع 6 نقاط من أصل 10 للحصول على تأشيرة العمل؟"
يشتمل القانون أيضاً على بند يسمح للشخص المعني بالحصول على تأشيرة "شينغن" تمكنه من القدوم إلى ألمانيا كسائح لمدة 90 يوماً، وخلال هذه الفترة يمكنه البحث عن عمل وتحويل تأشيرته إلى تأشيرة عمل فور حصوله على وظيفة.
تسهيل نظام التأشيرات المعقد
يهدف القانون الجديد إلى تبسيط عملية منح التأشيرات في القنصليات الألمانية في الخارج وإزالة العقبات البيروقراطية. كما يسعى إلى تسريع الاعتراف بالشهادات الأجنبية ويسمح بعدم اشتراط الاعتراف ببعض الشهادات للعمل والانتقال بين المهن. سيتم إنشاء بنك معلومات رقمي للراغبين والشركات والسلطات الحكومية لتسريع اتخاذ القرارات.
اعترفت خان بتأخر ألمانيا في رقمنة نظام منح التأشيرات، لكنها أكدت أن العام المقبل سيشهد خطوات كبيرة لتسريع إجراءات منح التأشيرات وتعزيز قدرات القنصليات الألمانية لاستيعاب المزيد من الطلبات.
إجراءات لم الشمل
ينص القانون الجديد على السماح لكل لاجئ وصل إلى ألمانيا قبل 29 مارس/آذار بالحصول على إقامة عمل بشرط إيجاد فرصة عمل، مما يعني السماح له بلم شمل عائلته. تؤكد خان أن خفض الحواجز التي تمنع التحاق العائلة بالموظف الحاصل على تأشيرة عمل يعد نقطة مركزية في القانون الجديد.
تعلم اللغة الألمانية
أزال القانون الجديد بعض العقبات المتعلقة بتعلم اللغة الألمانية، مع مراعاة حاجة الموظف للغة في ممارسة عمله. على سبيل المثال، يجب على الأطباء إتقان اللغة الألمانية للتواصل مع المرضى، بينما يمكن للمتخصصين في قطاع المعلوماتية العمل باللغة الإنجليزية.
التحديات الثقافية
تشير الطبيبة المغربية جهان السعيدي إلى أن المجتمع الألماني "لا يتقبل الغريب" مما يتطلب من القادمين الجدد فرض أنفسهم ومقاومة هذا الرفض. تنصح السعيدي أي شخص يرغب في القدوم إلى ألمانيا بالتفكير ملياً في ما إذا كانت الحياة في هذا البلد تناسبه.
الأجور والضرائب
تشير السعيدي إلى أن الأجور في ألمانيا محترمة، لكن الضرائب مرتفعة، مما يعني أن "المال يبقى في ألمانيا". رغم التحديات، تؤكد السعيدي أنها ليست نادمة على قرارها بالقدوم إلى ألمانيا.
خاتمة
ختاماً، تسعى الحكومة الألمانية من خلال هذا القانون الجديد إلى تسهيل عملية الهجرة للعمالة الماهرة، تعزيز اقتصادها، وتحسين نظام الترحيب بالمهاجرين، مما يعكس التزامها بجذب الكفاءات العالمية والبقاء كوجهة مفضلة للعمل والعيش.