التحدي الكبير في سد فجوة العمالة
تعاني ألمانيا من نقص حاد في العمالة، حيث بلغ عدد الوظائف الشاغرة 771 ألف وظيفة. وتبذل الحكومة جهودًا كبيرة لتشجيع هجرة العمالة الماهرة، خاصة من دول تراها السلطات الألمانية آمنة ونسبة اللاجئين منها منخفضة، وتتمتع بكفاءات عالية، بما في ذلك بعض الدول العربية.
مبادرات التعاون مع المغرب
قامت وزيرة التنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، ومفوضة شؤون الهجرة والاندماج، ريم العبلي رادوفان، بزيارة إلى المغرب في نهاية يناير لبدء مشروعين مهمين. الأول يهدف إلى إعداد المرشحين للهجرة من خلال برامج الاندماج الثقافي واللغوي المسبق. والثاني هو إطلاق مركز مغربي للهجرة والتنمية، الذي سيربط بين الكفاءات المغربية والشركات الألمانية، بإشراف منظمات وهيئات ألمانية.
تجربة المغرب مع ألمانيا
أوضح عز الدين المعروفي، رئيس شبكة الكفاءات المغربية-الألمانية، للجزيرة نت أن الحديث عن تسهيل حقيقي لهجرة العمال المهرة لا يزال في مرحلة "إعلان النوايا". ولكنه أشار إلى أن هذا الاتفاق يحمل أهمية كبيرة، لاسيما وأن المغرب وألمانيا وقعا اتفاقًا ناجحًا مماثلًا في عام 1963، ساعد في جلب عدد كبير من العمال المغاربة إلى ألمانيا.
جهود مماثلة في دول أخرى
بالإضافة إلى المغرب، توجد مراكز للهجرة والتنمية تدعمها وزارة التنمية الألمانية في مصر، العراق، تونس، والأردن، بالإضافة إلى دول أخرى مثل غانا، باكستان، ونيجيريا. كما جلبت ألمانيا مؤخرًا عمالًا في قطاع الرعاية الصحية من تونس وفقًا لاتفاقيات محلية، ووقعت اتفاق نوايا مشابه مع الأردن.
تأشيرة العمال المهرة
لتسهيل الهجرة، عدّلت الحكومة الألمانية قوانين التأشيرات وأدخلت قانونًا جديدًا يسهل وصول العمال المهرة إلى ألمانيا. تضمنت الشروط:
- الحصول على شهادة جامعية أو تأهيل مهني (مع خبرة مهنية لا تقل عن سنتين) معترف بهما في الدولة الأصل.
- بالنسبة للقطاعات المنظمة مثل الرعاية الصحية والتعليم والهندسة، فإن الحصول على معادلة ألمانية في الشهادات أمر إلزامي.
- أن يكون لدى المتقدم عرض عمل واضح أو عقد عمل في ألمانيا.
من بين التغييرات المهمة في القانون، لم يعد المرشح ملزمًا بالعمل في نفس مجال تخصصه، وسيسحب شرط الاعتراف بالتأهيل المهني في ألمانيا في المستقبل.
فرص جديدة للعمالة
أشارت متحدثة باسم المجلس الاستشاري للاندماج والهجرة، وهي مؤسسة مستقلة، إلى أن القانون الجديد يفتح فرصًا جديدة لهجرة العمالة، مرجحة عدم اشتراط إثبات توافق مؤهلات العمال المهرة مع المعايير الألمانية مستقبلاً. وأضافت أن العمال الذين لا يتمتعون بمؤهلات معترف بها في ألمانيا لديهم الآن فرصة القدوم إلى ألمانيا للبحث عن عمل.
هذا التعديل في القوانين الألمانية يعكس حاجة البلاد الماسة إلى العمالة الماهرة ويهدف إلى تقليل العقبات البيروقراطية التي كانت تعرقل وصول هؤلاء العمال إلى ألمانيا.
البحث عن عمل في ألمانيا
تأشيرات البحث عن عمل
منذ عام 2020، بدأت ألمانيا في منح تأشيرات للبحث عن عمل مدتها 6 أشهر. تتطلب هذه التأشيرات من المتقدمين الذين يحملون تأهيلًا مهنيًا أن يكون لديهم مهارات في اللغة الألمانية، بالإضافة إلى تأمين مالي يغطي فترة الإقامة في ألمانيا. هذه الشروط لا تنطبق على تأشيرات العمال المهرة.
بطاقة الفرص
أدرجت السلطات الألمانية مؤخرًا "بطاقة الفرص" للباحثين عن عمل، وهو نظام لتقييم المرشحين يشبه النظام الكندي. تشمل المعايير المهارات اللغوية (الألمانية والإنجليزية)، التجربة المهنية، المعرفة بالقوانين الألمانية، العمر، والحالة العائلية. إذا حصل المرشح على 6 نقاط أو أكثر، يتم منحه التأشيرة.
التحديات البيروقراطية
تواجه الكثير من الآمال عقبات بسبب البيروقراطية وطول انتظار التأشيرات، والتنفيذ البطيء للقوانين.
تقول الخبيرة التونسية في سوق العمل الألماني، نرجس الرحماني، إن العديد من الشهادات الجامعية لا تزال تتطلب معادلة ألمانية، وقاعدة البيانات "أنابين" التي تشمل الشهادات ومؤسسات التعليم الأجنبية غير محدثة. كما أن الحصول على شهادة معترف بها في اللغة الألمانية ضروري، وكل هذه الأمور تأخذ وقتًا ومالًا كبيرين.
تأخير الإجراءات
تضيف الرحماني أن العديد من مسؤولي الشركات غير ملمين بقوانين الهجرة الجديدة، ويواجهون صعوبات في توقيع العقود مع الأشخاص خارج ألمانيا أو الحصول على الترخيص الإداري. تستغرق السلطات وقتًا طويلًا للتحقق من العقود والوثائق، مما يطيل مواعيد معالجة التأشيرات، وقد يواجه الباحثون بالرفض حتى لو كانت وثائقهم سليمة.
كفاءة الهياكل الإدارية
تؤكد المتحدثة باسم المجلس الاستشاري للاندماج والهجرة أن الهياكل الإدارية للسلطات الألمانية لا تعمل بشكل مثالي في كل مكان، سواء داخل ألمانيا أو خارجها. يحتاج العمال المرشحون للهجرة إلى الانتظار عدة أشهر للحصول على تأشيرة الدخول. لتسهيل هجرة العمال المهرة، يجب رقمنة العمل وتوظيف المزيد من الموظفين.
حلول محتملة
ترى الرحماني أن الحل يكمن في مضاعفة عدد الموظفين في القنصليات واستغلال التكنولوجيا لحل مشاكل البيروقراطية. يجب تحديث قواعد البيانات لاتخاذ قرارات سريعة بدلاً من المرور بالوزارات والمؤسسات الحكومية، وتحسين التواصل مع الشركات الألمانية لإرشادها إلى القوانين الجديدة، ومنح المرشحين الفرصة لتحسين مهاراتهم اللغوية في ألمانيا.
التعاون المسبق
يؤكد عز الدين المعروفي أن نجاح أي اتفاق يعتمد على تعزيز التعاون لتحقيق توازن بين مصلحة بلد المنشأ وألمانيا، وحل التعقيدات. كما يشدد على أهمية الإعداد المسبق للمرشحين للهجرة، بما في ذلك تحسين مهارات اللغة والتعرف على ثقافة البلد المضيف وسوق العمل في ألمانيا. تعمل جمعية الكفاءات المغربية على مشروع للإعداد المسبق لدعم الكفاءات الراغبة في الهجرة.
أهداف الحكومة الألمانية
تربط الحكومة الألمانية بين تسهيل هجرة العمال واستعادة المهاجرين غير النظاميين في خطاباتها، لكن المعروفي يرى أن عدد المهاجرين غير النظاميين من الدول المغاربية في ألمانيا ضئيل جدًا. يعتقد أن الهدف غير المعلن هو التعاون لوقف عبور المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء نحو أوروبا.